حازم درويش:
يستطيع الشباب العراقيون الذين يقيمون اﻵن في مخيمات اللجوء في هولندا، أن يمعنوا النظر في حلمهم اﻷوروبي الذي جلبهم على غفلة. لديهم متسع من الوقت ليتأملوا أحوالهم. فالسلطات الهولندية مشغولة باللاجئين السوريين، الذين تسرع اجراءات لجوئهم وتنتهي غالباً بالحصول على إقامة لمدة سنة. أما العراقيون فباتوا واحداً تلو اﻵخر، على يقين مرّ، أنهم لن يحصلوا على شيء، وهم في حكم إجازة لا بد لها أن تنتهي.
تختلف فئات الشبان العراقيين الذين ركبوا موجة اللجوء عن نظرائهم السوريين. ففي حين يغلب على الفئات السورية اللاجئة المتعلمون في أواخر العشرينات من أعمارهم، تغلب فئات العاملين، من غير المتعلمين ومن القاصرين أحياناً لدى العراقيين. شباب كانوا يعملون أو يعيشون في أحضان عائلاتهم، ومن الفئات المتوسطة، جذبتهم تلك الصور «الحالمة» عن أوروبا. احلام الحصول على سيارة و بيت حال الوصول إلى جنة «القارة العجوز» تحولت إلى سجن في «كامبات»، تبقيهم على قيد حياة مرهونة بشروط لا آمال فيها. يقول رضا (21 سـنة) وهو شـاب عـراقي مـن مدينة الموصل، وصل إلى هولـندا قبـل أشـهر مـع شقيـقه: «لقد خدعنا. كل ما تخيلناه غير موجود. وهولندا لن تعطينا اﻹقامة حتى لو انتظرنا عشر سنوات». تمنح الحكومة الهولندية اللاجئين، عدا عن مكان اﻹقامة الموقتة، راتباً أسبوعياً محدوداً للطعام لا يتجاوز عشرين يورو، في بعض الحالات، ولا يكفي غالبية اللاجئين، خاصة المدخنين منهم. فيعمدون إلى الطلب من أهلهم في العراق ليرسلوا لهم تحويلات تعينهم على البقاء. مصطفى (24 سنة) الآتي من بغداد، كان يعمل في شركة عقارية يشكو ظروف اللجوء القاسية، يقول: «إنهم يعاملوننا معاملة الدجاج. المال لا يكفينا. أبي يحول لي باستمرار. لا يمكنني البقاء حياً مع قيمة المساعدة المنخفضة».
وكالكثير من العراقيين أمثاله يشعر مصطفى بالندم. الشاب الذي ترك حياته في العراق خلف ظهره، وجد ان الجنة لم تكن سوى جحيماً، «مجيئنا إلى هنا كان خطأ. أعترف بهذا. وأنا عازم على تصحيحه. من دون إقامة، لا يمكننا تعلم لغة وليس لدينا حق في العمل، سأعود إلى العراق». بعض العراقيين يفضلون العودة، فاﻷحلام عن تكوين ثروات وتأسيس مستقبل واندماج مع الناس هنا تبدو «صعبة المنال»، يقول مصطفى: «الاندماج أمر بالغ الصعوبة. يحتاج الكثير من الوقت. ونحن هنا شبه محاصرين في المخيم. أي خروج منه يكلف مالاً طائلاً. وصادفت الكثير من الهولنديين الذين يبغضون الأرض التي يمشي عليها اللاجئ».
وعلى عكس اللاجئ السوري، لا يجد العراقي نفسه مضطراً للصبر على هذا الأوضاع، وانتظار النتائج. يقول عمار (22 سنة) الذي كان يعمل سائق شاحنة في بغداد، وينتظر إجراءات لجوئه منذ أكثر من ستة أشهر: «العراق ليس سوريا. الجنوب وبغداد آمنان. حتى كردستان جيدة. هربنا من الخوف من قدوم تنظيم «داعش» ومن التفجيرات، لكن كان علينا أن نبقى هناك. الوضع في هذه المخيمات أسوء بكثير من وضع العراق».
لا يقتصر مرددو هذا الكلام على القادمين من المناطق اﻵمنة، بل حتى القادمين من الموصل الواقعة تحت سيطرة تنظيم «الدولة اﻹسلامية»، يرددون الكلام نفسه تقريباً. مثنى (22 عاماً)، شاب من الموصل هرب إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا في رحلة شاقة، بعد وقت قصير من دخول التنظيم إلى المدينة. تقدم بطلب عودة إلى العراق وينتظر رد السلطات الهولندية. فـ»الحياة مع داعش أفضل من الموت هنا ببطء»، وفق ما يقول بحسرة، ويضيف ان أهله لا زالوا يقيمون مع داعـش، «لم يصـبهم سـوء. لقد خفت كثيراً حين دخلوا المدينة لكن كان علي البقاء، حتى لو كنت سأقتل. الحياة هنا تخنقني». ولا تبدو السلطات الهولندية مكترثة لشكاوى هؤلاء اللاجئين. فلديها سوريون في حالات طارئة، وأقصى ما باتت تستطيع تقديمه للعراقيين هو تسريع إجراءات عودتهم. اﻷمر عادة يستغرق شهراًـ لكنه قد يتأخر أكثر وفق الوضع القانوني للاجئ وأوراقه الثبوتية، لكن الفترة اﻷخيرة شهدت العملية تأخيرات نتيجة ارتفاع عدد الراغبين بالعودة. مصطفى الذي قدم إجازة من عمله قبل القدوم إلى هنا، يسابق الزمن ويحاول العودة في أسرع وقت، «فمكان عملي لايزال شاغراً». الحنين سبب آخر في رغبة مصطفى، يقول مبرراً عودته إلى العراق بحماس: «هناك أهلنا وناسنا وأماكننا». الكثير من الشباب العراقيين هربوا من هذا المأزق الذي وجدا فيه أنفسهم نحو عوالم تنسيهم الانتظار ولجأووا إلى المخدرات. فتعاطي المخدرات قانوني ولا يعرض صاحبه للمساءلة. وتتزايد نسبة المدمنين بين اللاجئين، المقتدرين منهم على وجه الخصوص، باطراد. بل تجد بعض اللاجئين الأكثر قدماً يديرون شبكة مربحة. يقول عمر(23) وهو شاب من الرمادي: «أردت أن أجرب الماريغوانا من باب الاستكشاف في البداية. فالكثير من اللاجئين يتعاطونها. لكني أصبحت مدمناً عليها». وبالرغم من أن عمر وجد متنفسه في المخدرات، إلا أنه قدم طلب عودة. يقول: «ليس مكاني هولندا. لقد جربت كل شيء. جسمي اﻵن ممتلئ باﻷوشام. كنت أذهب كل أسبوع إلى أمستردام. لكني أشعر أن هذا كله خطأ».
لا يملك اللاجئون العراقيون من اﻷقليات على الرغم من بطء إجراءات لجوئهم ترف العودة إلى العراق. سامر (26 عاماً) وهو شاب مسيحي من الموصل خرج من العراق قبل أكثر من سنتين ولم يحصل على اﻹقامة إلى اﻵن. يعمل في تحضير أطباق عراقية للاجئين في محاولة لدعم راتب المساعدة الضعيف الذي يأخذه، ويلوم من خرج من العراق وظروفه جيدة: «لم يبق مكان للمسيحين في العراق لذا جئت إلى هولندا». لاجئون كثر وفي محاولة لرد فكرة العودة التي لا تقل مرارتها في بعض الأحوال عن البقاء هنا في الانتظار، يفكرون بأن يجربوا حظوظهم في بلدان أوروبية أخرى يظنون أن أوضاع العراقيين فيها أفضل، لكن عملياً يبدو أن هذا الحل غير ممكن بعد أن نالوا «بصمة الدبلن» خاصتهم في هولندا. لا تستوي المخيمات التي يقيم فيها العراقيون مع تلك التي يقيم فيها أمثالهم من السوريين. ففي حين يقيم غالبية السوريين بشكل جماعي في صالات مفتوحة وغير معدة لاستقبال اللاجئين في اﻷساس، يقيم العراقيون في مخيمات على شكل شقق سكنية، وملحقة بأبنية للنشاطات الرياضية والثقافية المختلفة وفيها ملاعب رياضية وحدائق وممرات خاصة للدراجات، لكن لا تعوض هذه المخيمات عن حلمهم اﻷوروبي المتوقع، يقول مصطفى: «لقد كان لدينا مستقبل وتركناه. لا يوجد شيء لنا في أوروبا».
The post أصداء هولندية: لاجئون عراقيون متذمرون: جحيم العراق ولا جنة هولندا! appeared first on هولندا بالعربي.