منذ فترةٍ طويلة وأنا أفكر بكتابة هذا المقال، إلا أني غالبًا ما أتراجع عن قراري وأجد أنه لا فائدة من مثل هكذا منشورات، فهي لا تُقدّم معلومة مُفيدة أو خبرًا جديدًا. مُؤخرًا، أصبحت على قناعةٍ تامة أني سأصل للحظة التي سأجلس فيها وأكتب عن هذا الموضوع، لأن كم الاتهامات التي أصبحت تصل ضمن قسم التعليقات فاقت التّصور.
لمن قد يجد أن الأمر مُبهم وغير واضح، فأنا أتحدث بالتحديد عن الاتهامات المتعلقة بأننا “مُطبلون” و “مرّوجون” لبعض الشركات ضد شركاتٍ أخرى، وأننا نتلقى المال لقاء ذلك. ترتبط هذه الاتهامات بسامسونج في مُعظم الأحيان، سواء كانت اتهامات بأننا نعمل لصالحها أو أننا نتلقى الأموال لتّشويه صورتها (مُعظم الحالات مؤخرًا) أو أننا نُضلل المُتابعين عبر تلفيق الأخبار واختلاق القصص للحصول على أكبر كميةٍ ممكنة من المُشاهدات.
منذ اليوم الأول لهذا الموقع – وأعتقد مُعظم المواقع التقنية الأخرى – والاتهامات موجودة، ولكنها غالبًا ما كانت نادرة الحدوث، ولكن مع تزايد شعبية الشركات وزيادة قاعدة المستخدمين، تزايد الخط البيانيّ لكمية الاتهامات، وكذلك مدى حدتها وجرأتها، سواء كانت طعنًا بمصداقية موقع أردرويد، أو تجريح على المُستوى الشخصي لكاتب المقال نفسه. ومع ذلك، فإنه يُمكن القول أنه من الطبيعيّ شعور البعض بالاستياء بسبب خبرٍ أو مقالٍ يَنتقد أو يُسلط الضوء على جانبٍ سلبيّ للشركة التي يُحبّها، حتى وصلنا للعام الماضي وبدأت مُشكلة هواتف نوت 7 الشهيرة.
كنا من المواقع التي سارعت لتغطية أزمة احتراق بطاريات هواتف نوت 7 وإحاطتها من كل جانب، وتلقينا بتلك الفترة أقصى الانتقادات (التي وصلت للشتم والسب الشخصيّ) وتم اتهامنا بالكذب والتضليل، وحتى بعد اعتراف سامسونج نفسها بالمشكلة وسحب الهاتف من الأسواق، بقينا بنظر الكثيرين جزءًا من “المؤامرة” المُحاكة ضد سامسونج (أنصح بقراءة المقال التالي بهذا الخصوص: اضغط هنا). كنت وقتها أستغرب من المُتابعين، لأني أنا نفسي شخصيًا قمت بكتابة عدة أخبار وتحليلات حول عدم تأثر ثقة المُستخدمين بهواتف سامسونجبالإضافة لقدرتها على تجاوز الأزمة، على الرّغم من تراجع مبيعاتها.
بالطبع، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد مع الأخبار الخاصة بالشركات الأخرى، والتي نجد فيها تعليقات بالسب والشتم واتهامات مُستمرة بتلقي الأموال من سامسونج نفسها! فأصبح الوضع على الشكل التالي: عندما نذكر أمرًا سلبيًا عن سامسونج فنحن نتلقى الأموال من سوني أو ربما هواوي وإتش تي سي، وعندما نُسلط الضوء على أمرٍ سلبيّ يخص الشركات الأخرى، نصبح مُطبلين لسامسونج، وتصبح الشركة الكورية الراعي الرسميّ لموقع أردرويد. لن أنسى بالطبع التعليقات التي اتهمت الموقع (ولي شخصيًا) بتلقي الأموال و “العمالة” لآبل. هذا النوع من التعليقات هو ما عجزت عن إيجاد تفسيرٍ له حتى الآن: أستخدم هواتف أندرويد، أنتقد آبل ونظام تشغيلها، أكتب بموقع مُتخصص بهواتف أندرويد وتطبيقاتها، والنتيجة أني أحد عشاق آبل…أمر واضح أليس كذلك؟
ما يؤلم فعلًا هو اتهامنا بالكذب في حين نضع المصادر دومًا بنهاية كل مقال، وأحيانًا يكون المصدر فيديو يوضح بالصوت والصورة سبب الانتقاد، كما هو الحال مع خبر سهولة اختراق هواتف Galaxy S8 عبر نظام التعرف على الوجوه، بحالة الخبر الأخير، ذكرت بشكلٍ واضح ضمن نص المقال أن تجاوز نظام الحماية حصل مع نسخةٍ أولية للهاتف، وعادةً ما يكون هنالك اختلافات بين نسخ ما قبل الإنتاج والنّسخ التجارية النهائية، خصوصًا من ناحية الميزات البرمجية. لا يبدو أن أحدًا قد قرأ هذه السطور، أو حتى شاهد الفيديو المرفق بالمقال، وأصبحت أنا والموقع ضمن الخطة اللعينة التي تستهدف سمعة سامسونج، علمًا أن هاتف Galaxy S8 نفسه حصل على اهتمامٍ ومتابعةٍ منا لم تتوفر لأي هاتفٍ حديث، مع تفصيلٍ لكل ميزاته وتقنياته المرفقة أكثر من أي موقع تقني عربي آخر. ألم يشاهد المعلقون ذلك قبل اتهامنا بتلقي الأموال لمهاجمة سامسونج؟ وإذا كنا نريد استقطاب المشاهدين عبر التركيز على “الفضائح”، لماذا نضيع وقتنا إذًا بشرح مزايا الهاتف وكيفية عملها والاستفادة منها؟
هنا أود توضيح العديد من الأمور: أولًا، وبحكم أن سامسونج هي أكبر مُصنّع للهواتف الذكية حول العالم، فإنه من المنطقيّ أن تحتل قسمًا جيدًا من المساحة الخاصة بالأخبار، نظرًا للعدد الكبير من المُستخدمين المهتمين بالشركة، ونظرًا للعدد الكبير من الهواتف والخدمات الخاصة بها. ثانيًا، وبحكم العدد الهائل من هواتف سامسونج – بالتحديد – فإنه من المنطقيّ ظهور مشاكل معها بتواترٍ أعلى من باقي الشركات، وتسليط الضوء عليها ليس تشويه لسمعة الشركة، وإنما “تنبيه” للمستخدمين لما هم مُقبلين عليه. إن لم أقم مثلًا بالحديث عن مشكلة اختراق نظام التّعرف على الوجوه، سيظهر أحدهم لاحقًا ليقول أنني “أخفي” الحقيقة وأحابي سامسونج، وهذا الأمر سبق وأن حصل كثيرًا من قبل. مُحاولة تغطية كل الجوانب السلبية والإيجابية هو جزء من الموضوعية التي نحاول الالتزام بها قدر الإمكان، عبر توفير المعلومة للمستخدمين بأسرع وقتٍ ممكن وأدق شكلٍ ممكن. كمثال آخر، كنا من المواقع التي أشادت بهواتف بيكسل الجديدة وأجرينا مراجعة تفصيلية لها، ولكن ذلك لا يعني أن نتجاهل المشاكل البرمجية الكثيرة التي ظهرت لاحقًا بالهواتف. لو أردت المضيّ أكثر بهذا الاتجاه، فإني سأقول وبكل وضوح أني ممن يُفضلون هواتف شركة إتش تي سي للكثير من الأسباب، ولكن هذا لم يمنعني من انتقاد الشركة في الكثير من المقالات، ومن يتابع الموقع بشكلٍ مستمر يعرف هذا الأمر تمامًا. أين التطبيل هنا؟ أليس من المفروض أن أقوم بإخفاء الجوانب السلبية للشركة التي أستخدم هواتفها وأفضلها على باقي الشركات؟
أعلم تمامًا أننا مُقصرون في تغطية كل الجوانب التي تهم المستخدمين، ولا يمكنني الادعاء أننا أفضل مصدر لكل ما يحتاجه المستخدم من معلومات خاصة بهواتف أندرويد ومشاكلها، ولكن يمكنني التأكيد أنه وضمن الوقت والإمكانيات المتاحة، فإننا نسعى لتقديم المعلومات خلال أسرع وقت مع المحافظة على أكبر قدرٍ ممكن من الدقة.
الأمر الآخر الهام هو الرأي الشخصيّ الذي قد نعبر عنه في كثير من الأخبار والمقالات، والذي نتلقى أيضًا السب والشتم عليه. تحدثت سابقًا عن هذا الأمر ضمن مقالٍ مُفصّل عن المراجعات التقنية، ووضحت أن من يقوم بالمراجعات التقنية أو يقوم بكتابة المقال هو شخص له تفضيلاته الشخصية، وليس “روبوت” وظيفته عرض ميزات الهاتف. إن كان الأمر هو مجرد عرض للمواصفات، فلا داعي لوجود هذا الموقع – أو كل المواقع التقنية – من أساسه، كون الشركات توفر كل المعلومات الخاصة بهواتفها عبر مواقعها الرسمية. أنا كمستخدم أستفيد جدًا من الملاحظات والنقاط التي يتم الإشارة إليها في الكثير من المقالات والمراجعات، وأحاول بدوري وضع تجربتي الشخصية عبر ما أكتبه من مقالات، فقد تكون مفيدة للمستخدمين. إن لم أقدم الفائدة المرجوة أو لم يتناسب رأيي مع تفضيلات القراء والمتابعين، فلا يوجد أي مشكلة، على العكس، سيكون من الرائع النقاش حول هذه الاختلافات. المشكلة دائمًا أن هذا النقاش لا يتم، بل ما يحصل هو هجوم وسب وإهانة ما يجعل قسم التعليقات بلا أي معنى أو هدف. لا أريد التعميم، حيث يوجد بالفعل الكثير من الأشخاص الذين يضعون روابط مفيدة ضمن التعليقات، أو يطرحون رأيًا مخالفًا بهدف إثراء الموضوع، أو حتى ينبهونا على الأخطاء التي قد ترد في الأخبار والمقالات، وأنا شاكرٌ كل الشكر لكل من نبهني على أي خطأ قمت به، حتى لو كان نسيان نقطة فوق أحد الحروف.
الآن للإجابة على عنوان المقال: هل نحن مطبلون لبعض الشركات؟ كلا وقطعًا كلا. هل سنبدو بهذا المظهر؟ بكل تأكيد، لأننا لن نتوقف عن متابعة آخر المواضيع ونشرها سواء كانت إيجابية أو سلبية. ما أطلبه بهذا الخصوص هو قراءة المقالات وليس فقط العناوين، والتأكد من المصادر التي نضعها دومًا قبل إطلاق الاتهامات. إن كان لكم رأيٌ مخالف لما تم طرحه، فأهلًا وسهلًا بأي معلومة أو خبرة جديدة ستساهم بإثراء المقال وتحقق الفائدة لأكبر شريحة ممكنة. ما أطلبه هو الابتعاد عن أسلوب الهجوم والسب والشتم واللعن (المنتشر كثيرًا في الآونة الأخيرة) ومحاولة طرح فكرة مفيدة أو تسليط الضوء على الخطأ الذي قد يرد في المقالات والأخبار.
أخيرًا، أعتذر عن الإطالة في مقالٍ لا يتضمن أي معلومة جديدة للمستخدمين، وأعتذر أيضًا عن أي تعليقٍ بدر مني بدا أنه يستهدف الإساءة الشخصية، فهذا لم ولن يكون المقصد. آمل أن يكون هذا المقال قد وضح الكثير من النقاط والاستفسارات للمتابعين، وأي استفسار آخر أو سوء فهم سبق وأن حصل، أتمنى طرحه عبر التعليقات كي تكون الأمور بأفضل صورةٍ ممكنة.
المصدر: هل نحن “مُطبلون” للشركات التّقنية؟